|
• المنتدى الإسلامي ∫ كلمات عطره بذكر الله ع لي نهج السنه و الجماعه .. |
![]() |
|
|
|
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
![]() |
#11 |
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#12 |
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() |
![]()
خطبة الجمعة عنوانها يوم عرفة
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم الخطبة الاولى الحمد لله الملك الحق المبين؛ ذي القوة المتين، هدى العباد صراطه المستقيم، ودلهم على شرعه القويم، وهو الولي الحميد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ في هذه الأيام العظيمة يجتمع أهل الموسم على ذكره وشكره وحسن عبادته، ويعظمون حرماته وشعائره، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ ضحى وشرع الأضحية لأمته، فهي من آكد سنته، فمن قدر عليها فلا يحرمن نفسه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين. أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وعظموه في أعظم أيامه؛ فإن هذه الأيام أعظم أيام الدنيا.. تزود فيها من البر والتقوى، وجانبوا الإثم والهوى ﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ ﴾ [الحج:30]. أيها الناس: فضائل هذه الأيام كثيرة، ولبعضها خصائص ليست لغيرها كيوم عرفة، ويوم النحر. وهذا حديث عن يوم عرفة، وما فيه من الفضائل؛ لنعلم قدره، ونعظم حرمته، ولا نهدر منه لحظة. وإذا ذكر عرفة سحت العيون بالدمع على مشهد الحجيج وهم في عرفة يجأرون لله تعالى بصالح الدعوات؛ فرحا بهم، وغبطة لهم، وشوقا إلى المشاعر المقدسة. إن يوم عرفة هو يوم من أيام الأشهر المحرمة، وهو من أيام العشر المفضلة، وهو من الأيام المعلومات المذكورة في قوله تعالى ﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ ﴾ [الحج:27]. وقد أقسم الله تعالى به في كتابه الكريم مما يدل على فضله وعظمته، ﴿ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ ﴾ [البروج:3] قال أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فِي هَذِهِ الْآيَةِ: "الشَّاهِدُ: يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَالْمَشْهُودُ: يَوْمَ عَرَفَةَ، وَالْمَوْعُودُ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ" وهو يوم كمال الدين، وتمام النعمة؛ كما في حديث عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا مِنَ اليَهُودِ قَالَ لَهُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا، لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ اليَهُودِ نَزَلَتْ، لاَتَّخَذْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ عِيدًا. قَالَ: أَيُّ آيَةٍ؟ قَالَ: ﴿ اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا ﴾[المائدة: 3] قَالَ عُمَرُ: «قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ اليَوْمَ، وَالمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ» رواه الشيخان. وهو كذلك يوم عيد للمسلمين؛ كما في حديث عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ، عِيدُنَا أَهْلَ الإِسْلَامِ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ» رواه الترمذي وقال: حَسَنٌ صَحِيحٌ. وهو ركن الحج الأعظم، فمن فاته الوقوف بعرفة فاته الحج معذورا كان أم غير معذور؛ لحديث عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَعْمَرَ الدِّيلِيَّ قال: شَهِدْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ، وَأَتَاهُ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ نَجْدٍ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، كَيْفَ الْحَجُّ؟ فَقَالَ: " الْحَجُّ عَرَفَةُ، فَمَنْ جَاءَ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ جَمْعٍ، فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ ..." رواه أحمد. وهو يوم المباهاة بأهل الموقف كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " إِنَّ اللَّهَ يُبَاهِي بِأَهْلِ عَرَفَاتٍ أَهْلَ السَّمَاءِ، فَيَقُولُ لَهُمْ: «انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي جَاءُونِي شُعْثًا غُبْرًا» صححه ابن خزيمة وابن حبان. وهو يوم العتق من النار؛ لحديث عَائِشَةَ رضي الله عنها أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟"رواه مسلم. فظاهر الحديث أنه أكثر يوم في العام يعتق الله تعالى فيه خلقا من النار. والظاهر أن العتق من النار ليس خاصا بأهل عرفة، وإنما هو عام لهم ولغيرهم، وإن كان يرجى لأهل عرفة أكثر من غيرهم. قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى: ويوم عرفة هو يوم العتق من النار، فيعتق الله تعالى من النار من وقف بعرفة ومن لم يقف بها من أهل الأمصار من المسلمين؛ فلذلك صار اليوم الذي يليه عيدا لجميع المسلمين في جميع أمصارهم، من شهد الموسم منهم ومن لم يشهده، لاشتراكهم في العتق والمغفرة يوم عرفة. وهو يوم الدعاء، ويوم ترطيب الألسن والقلوب بكلمة التوحيد؛ لحديث طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِاللهِ بْنِ كَرِيزٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَفْضَلُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ. وَأَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ» رواه مالك مرسلا. والظاهر أن فضل الدعاء ليس خاصا بالواقفين بعرفة فقط، وإن كان القبول منهم أرجى من غيرهم؛ لتلبسهم بالإحرام، ووجودهم في أطهر البقاع، وكذلك الدعاء بكلمة التوحيد الواردة في الحديث ليست خاصة بأهل عرفة، بل ينبغي أن يكثر من قولها أهل الأمصار في ذلك اليوم العظيم. وكأن الإكثار من الدعاء بكلمة التوحيد في يوم عرفة هو لتأكيد الوفاء بالميثاق الذي أخذه الله تعالى على البشر قبل وجودهم على الأرض، وهو الوارد في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَخَذَ اللهُ الْمِيثَاقَ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ بِنَعْمَانَ – يَعْنِي: عَرَفَةَ - فَأَخْرَجَ مِنْ صُلْبِهِ كُلَّ ذُرِّيَّةٍ ذَرَأَهَا، فَنَثَرَهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ كَالذَّرِّ، ثُمَّ كَلَّمَهُمْ قِبَلًا " قَالَ: ﴿ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ ﴾ [الأعراف: 173] رواه أحمد. فناسب أن تلهج ألسنة المؤمنين بكلمة التوحيد في ذلكم اليوم العظيم، وعليه فإنه ينبغي أن يكثر المسلمون من الذكر والدعاء في يوم عرفة أينما كانوا، فجدوا -عباد الله- في الذكر والدعاء وألحوا؛ فلعل نفحات الله تعالى تصيبكم في يوم عرفة ولو لم تقفوا بها، وفضل الله تعالى يسع أهل الموسم وغيرهم، فلا يحرمن عبد نفسه خير الله تعالى وفضله في ذلكم اليوم العظيم. وهو يوم إصغار الشيطان ودحره؛ لما يرى من تنزل رحمات الله تعالى على عباده؛ كما في حديث طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ كَرِيزٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا رُئِيَ الشَّيْطَانُ يَوْمًا، هُوَ فِيهِ أَصْغَرُ وَلَا أَدْحَرُ وَلَا أَحْقَرُ وَلَا أَغْيَظُ مِنْهُ فِي يَوْمِ عَرَفَةَ. وَمَا ذَاكَ إِلَّا لِمَا رَأَى مِنْ تَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ، وَتَجَاوُزِ اللَّهِ عَنِ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ، إِلَّا مَا أُرِيَ يَوْمَ بَدْرٍ»....رواه مالك مرسلا. وإذا كان أهل الموسم قد ظفروا بالوقوف في عرفة ركن الحج الأعظم، فإن لأهل الأمصار صوم ذلك اليوم العظيم، وصومه يكفر سنتين كما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ» رواه مسلم. نسأل الله تعالى أن يقبل منا ومن المسلمين، وأن يكتب لنا جميعا الرحمة والمغفرة والعتق من النار، إنه سميع مجيب. وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.... الخطبة الثانية الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.أما بعد: فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، وأكثروا في هذه الأيام العظيمة من ذكره وتكبيره؛ فإن ذكر الله تعالى من أفضل الأعمال ﴿ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ ﴾ [العنكبوت:45] وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رضي الله عنه: «مَا شَيْءٌ أَنْجَى مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ». أيها المسلمون: عيد الأضحى هو أكبر أعياد المسلمين وأفضلها؛ لأنه في أفضل الأيام وأشرفها، وفيه أكثر الشعائر وأعظمها. وتشرع فيه الأضاحي وهي من أفضل الأعمال وأجلها، وهي من سنة النبي صلى الله عليه وسلم كَمَا فِي حَدِيثٍ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: «ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ، فَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ، فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. ولنجتنب من الأضاحي ما كان بها عيب؛ فإنها قربان لله تعالى، ولنختر منها أطيبها وأسمنها؛ لقول أَبي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ: «كُنَّا نُسَمِّنُ الأُضْحِيَّةَ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ المُسْلِمُونَ يُسَمِّنُونَ». ومن طرأت عليه الأضحية يوم النحر أو بعده، أو كان لا يجد ثمنها ثم وجده فله أن يضحي ولو كان قد أخذ من شعره وظفره في العشر. وأهل البيت تكفيهم أضحية واحدة، وهي باب قربة وعبادة، ولا تجوز فيها المباهاة والمفاخرة. ولا يشرع تخصيص الأموات بالأضحية، فإن ضحى أحد عنهم أشرك نفسه أو أحدا من الأحياء معهم، إلا إذا كانت وصايا للأموات ومن أسبالهم فتنفذ وصاياهم؛ لأنها من كسبهم وصدقاتهم. ويحرم صوم يوم العيد وأيام التشريق، وهي ثلاثة بعد العيد؛ لقول النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلَّهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. فلنكثر من ذكر الله تعالى فيما تبقى من هذا الموسم الكريم، ولنجتنب منكرات العيد، ولنجعل يوم العيد مع أيام التشريق أيام شكر وذكر لله تعالى على ما هدانا وأعطانا﴿ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا البَائِسَ الفَقِيرَ ﴾ [الحج:27]. وصلوا وسلموا على نبيكم.... المصدر شبكة الالوكة |
![]() |
![]() |
#14 |
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
#16 |
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() |
![]() خطبة الجمعة عنوانها نهاية العام الهجري الخطبة الاولى الحمدُ لله، تفرَّد عزًّا وكمالاً، جَلَّ وتقدَّس وتعالى، نسألُه صلاحَ الشَّأنِ كلِّه حالاً ومآلاً. ونشهدُ أنْ لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، خَلَقَ الْموتَ والحياةَ لِيَبلُوَ الناسَ أيُّهم أحسنُ أعمالاً.ونَشْهدُ أنَّ نَبِيَّنَا محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه، خيرُ الناسِ خِصالاً،حذَّرَ مِنْ الاغترارِ بِهذه الدَّارِ، وَأَمَرَ بالاستعدادِ لدارِ القَرَارِ، صلَّى الله وسلَّم عليه وعلى آلهِ وأصحابِه البَرَرِةِ الأطهارِ، أما بعد: فاتقوا الله على كلِّ حال وفي كلِّ مكانٍ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ أيُّها المسلمون : حياةُ الإنسانِ مراحلٌ، والناسُ في الدُّنيا بين مُستعدٍِّ للرحيلِ وراحلٌ، وكلُّ يومٍ , بلْ كُلُّ نَفَسٍِ يُدني من الأجلِ، فالكيِّسُ من حاسَبَ نَفْسَهُ يومًا بِيَومٍ ، فما الناسُ إلاَّ حيٌّ أدركتُه منيِّتُهُ، فَوُرِيَ بالتُّرَابِ، أو صغيرٌ بلغَ سِنَّ الشَّباب، أو شيخٌ امتدَّت به الْحَيَاةُ حتى شابَ، ومن وراءِ الجميعِ نقاشٌ وحسابٌ، فهنيئاً لمن أَحْسَنَ واستقامَ، والويلُ لِمَنْ أساءَ وارتكبَ الآثامَ، ويَتُوبُ الله على مَن تاب، مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ اللهُ أكبرُ عباد الله:هكذا في لَمْحِ البَصَرِ يُطوى تاريخُ عامٍ كاملٍ طالما عشنا فيه آمالاً وآلاماً وطالما كانت لنا فيه ذكرياتٌ وطموحاتٍ ، وفي توديعِ عامٍ واستقبالِ عامٍ جديدٍ ! فُرَصٌ للمتأمِّلين , وذكرَى للمُعتبرين ، يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ عباد اللهِ :إنَّ المؤمنَ حينَ يودِّع مرحلةً من عمُره ويستقبِل أخرى فهو في حاجَةٍ ماسَّةٍ لِمُحَاسَبَةِ نَفْسِه وتقييمِ مسارِها في ماضِيها وحاضرِها ومُستقبلِها، يقولُ ابنُ القيِّمِ رحمَهُ اللهُ: "وهلاكُ القلبِ إنَّما هو من إهمالِ محاسبَةِ النَّفْسِ ومِن موافَقَتِها واتِّباعِ هواها" فليتَ شِعري ماذا أودَعنا في عامنا الماضي؟ وماذا عسانا أنْ نَسْتَقْبِلَ به عامَنا الْجَديدُ ؟ قال أبو الدَّرداءِ رضي الله عنه: (يا ابنَ آدم، إنِّما أنتَ أيَّامٌ، فإذا ذهبَ منكَ يومٌ ذهبَ بعضُك ) وروى البخاريُّ رحمه اللهُ عن ابنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قال:أَخَذَ النبيُّ ِبمَنْكِبي فقال: ( كُنَْ في الدُّنيا كأنَّك غريبٌ أو عابرُ سبيلٍ ) وقال َ( ما لي وللدنيا؟! ما أنا في هذه الدُّنيا إلا كراكبٍ استظلَّ تحتَ شجرةٍ ثم راحَ وتَرَكَهَا ) . فيا لها من وصيَّةٍ بَلِيغَةٍ تصحِّحُ مَنْظُورَ الْمُسلمِ لهذه الحياةِ ! فعابرُ السَّبيلِ يتقلَّلُ من الدَّنيا، ويستكثرُ من زادِ الإيمان، عابرُ السَّبيلِ لا يُدَنِّسُ نَقَاءَ النَّهارِ بآثامِه، ولا يُقَصِّرُ الليلَ بغفلته وَمَنَامِهِ، إنْ دُعيَ إلى طاعةٍ أجاب، وإنْ نودِيَ إلى الصلاة لبَّى، مع الأسف الشَّديدِ يا كرامُ: واقعُ الكثيرينَ منَّا! يحكي أنَّ الدُّنيا عَشْعَشَتْ في قلوبِنا ، ونصبَت فيها راياتٌ، حديثنا فيها :كم نَربح ؟ وكيف نجمَع ؟ إنْ ضُرِب موعِدٌ للدُّنيا بادرنا إليه مبكِّرين، وأقمَنا عند بابه فرِحين، ولا نُبقي للآخرةِ في قلوبِنا إلاَّ رُكْنًا ضيِّقًا! إلاَّ من رحم ربِّي ! أتريدون الشاهدَ والبرهانَ على ما أقولُ؟ تأمَّل إذا رُفِعَ الأذانُ: هل أنتَ مْن هؤلاءِ الْمُبكِّرينَ الْمُسارِعِينَ للخيرات ؟ فهنيئاً لهم ! إذا احتاجَ المنكوبونَ والمستضعفونَ إلى الأموالِ فهل أنتَ مْن هؤلاءِ من المبادرين والمنفقينَ ؟ فباركَ اللهُ في أموالِهم ! يا عبدَ الله، أمضيتَ في عامِكَ أكثرَ من ثَلاثِمِائَةٍ وستينَ يومًا ؟ فكم بربِّك قضيتَ من الوقت في لِهْوٍ مباح، ناهيكَ عن غيرِ الَمُباحِ ؟! يا عبد الله، كم حصَّلت في عامِك من الريالات ، فبالله عليك كم أنفقتَ منها في سبيلِ الهوى والشَّهوات ومُسَايَرَةِ الْمُتطلَّبات والحاجيَّاتِ ؟! ثم اسأل نفسك كم أنفقتَ منها للهِ , ولدينِه , وللمؤمنين ؟! أخرج الإمامُ مسلمٌ رحمه اللهُ بسنده عن مُطَرِّفٍ عن أبيه قال: أتيتُ النبيَّ وهو يقرأُ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (يقولُ ابنُ آدمَ: مالي , مالي) (وهل لكَ يا ابنَ آدمَ من مالِكَ إلا ما أَكلْتَ فأفنيتَ أو لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ أو تصدَّقتَ فأمضيتَ )، يا عبد الله،مَرَّ عليكَ في عامِكَ الْمُنصَرِمِ ألفٌ وثمانُمائَةِ صلاةٍ مَفرُوضةٍ،فكم حَفِطتَ منها؟! بل كم ضيَّعتَ منها بعذرٍ وبغيرِ عذر؟ كم من صلاةٍ أدَّيتها على عُجَاَلٍة وأنتَ مَشغوُلُ البالِ؟ ولا يخفى على أمثالِكُم أنَّ الطمأنينةَ ركنٌ لا تصحُّ الصلاةُ إلا بِها، يا عبد الله، مَرَّ عليكَ في عامِكَ الْمُنصَرِمُ اثنا عَشَرَ شَهْرَاً فهل أنتَ من البَرَرَةِ الذينَ يقرؤونَ القرآنَ بِتَدَبُّرٍ في كلِّ شهرٍ مَرَّةٍ ؟، اسأل نفسك كم ختمتَ القرآنَ من مَرَّةٍ ؟! لِنَحذَرَ أنْ نكونَ ممن شكاهم الحبيبُ لِمَولاه حين قال: يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا أخي مرَّت على أقَارِبِكَ مُناسباتٌ وأعيادٌ ,وأفراحٌ ، وأتراحٌ ! فهل شاركتَهُم فيها ؟ هل وَصَلْتَ رَحِمَكَ ؟! فأنت تعلمُ أنَّ من وصَلَهُمْ وَصَلَهُ اللهُ، ومَنْ قَطَعَهُم قَطَعَهُ اللهُ ! أمُّكَ وأبوكَ نورُ عينيكَ , وبَهجتُ دنياكُ , وذخرُ أُخَراكَ ! ما حالُكَ معهما ؟ لعلكَ ممن يُقَدِّمُ وَلَدَهُ وزوجَهُ وأصدِقَائَهُ عليهما ؟ فاحذر فكما تدينُ تُدانُ ! والزمْ رِجْلَيْهِمَا فَثمَّ الجنةُ ! عباد اللهِ : طوبى لِمَنْ اغْتَنَمَ أَيَامَهُ بما يُقَرِّبُهُ إلى الله، طوبى لعبدٍ شَغَلَ نَفْسَهُ بالطَّاعات واتَّعظ بما في الأيامِ مِن العِظَاتِ، كُلُّ يومٍ يَمُرُّ يَأْخُذ بَعْضِي يُورِثُ القَلْبَ حَسْرَةً ثم يَمْضِي وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا () اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا فاللهم إنِّا نسألكُ حُسْنَ القول والعملِ اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلِّها وأجرنا من خزي الدنيا وعذابِ الآخرةِ واستغفر اللهَ لي ولكم وللمسلمين من كلِّ ذنبٍّ إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ. الخطبة الثانية: الحمدُ لله دَعَا العِبَادَ لِمَا تَزكُوا به النفوسُ وتَطْهُر، نشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له ,كُلُّ شيءٍ بِأَجَلٍ مُقَدَّر، ونشهدُ أنَّ محمدًا عبدُ الله ورسولُه ,أَبْلَغُ واعظٍ وأَصْدَقُ مَنْ بَشَّر وأنذر، صلَّى الله وسلَّم عليه وعلى آله وأصحابِه خيرِ صَحْبٍ ومَعْشَرٍ، أَمَّا بَعدُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابتَغُوا إِلَيهِ الوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا في سَبِيلِهِ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ . عباد الله، جُمْعَتُكُم هذه هي آخِرُ جُمُعَةٍ من هذا العام، فأيُّها الْمُسْلِمُ، نعم أنتَ يا من تَسمَعُنِي ! راجعْ نفسَكَ على أيِّ شيءٍ سَتَطوِيْ صَحَائِفَ هذا العام ؟ فَلَعَلَّهُ لم يبقَ من عُمُرِكَ إلا أيامٌ، فاستدركْ عُمُرَاً أَضَعْتَ أوَّلَهُ ، فقد قال النبيُّ : ( اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابَكَ قبل هرمِكَ، وصحتَك قبل سَقَمِكَ، وغِنَاكَ قَبل فَقرِكَ، وفَرَاغَكَ قبل شُغْلِكَ، وحياتَكَ قبل مَوتِكَ ). معاشر الأحبَّةِ:واللهِ لَتَمُوتُنَّ كما تَنَامُونَ، ولَتُبعَثُنَّ كما تَستَيقِظُونَ، وَلَتُخْبَرُنَّ بِما كُنتم تعلمونَ، فَجَنَّةٌ لِلمُطِيعِينَ، ونارُ جَهَنَّمَ للعاصينَ، أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ . أحبتي في الله، مَنْ غَفَلَ عن نَفْسِه ضاعت أوقَاتُهُ ثم اشتدَّت عليه حَسَرَاتُهُ، وأيُّ حسرةٍ مِنْ أنْ يكونَ عُمُرُكَ حُجَّةً عليكَ ؟ عجيبٌ حالُ الغافلِ: يوقنُ بالْمَوتِ ثم يَنْساه! ويعرفُ الضَّرَرَ ثم يغشاه! يَخشى الناسَ واللهُ أحقُّ أنْ يخشاه! يَغْتَرُّ بالصِّحَةِ وينسى السَّقَمِ! ويَزْهُو بالشَّبَابِ وينسى الْهَرَم! يَهْتَمُّ بالعِلْمِ وينسى العمل! يَطُولُ عُمُرُهُ ويَزْدَادُ ذَنْبُهُ! يَبْيَضُّ شَعْرُهُ وَيَسْوَدُّ قَلْبُهُ! سبحانَ الله ، أَلَمْ يَأْنِ لنا أنْ نُدرِكَ حقيقةَ هذه الدَّارِ؟! يا قوم، إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ يا مسلم ، ذهب عامُكَ شاهداً لكَ أو عليكَ، فخذ زاداً كافياً، وأعدَّ جواباً شافياً ، واستكثر من الحسناتِ، وتدارك ما مضى من الهفوات، قبل أنْ يَفْجَأُكَ هادمُ اللذَّاتِ، فقد قال رسولُ الله : ( كلُّ الناسِ يغدو، فبائعٌ نفسَه فمعتِقُها أو مُوبِقُها) يا من أقعده الحرمانُ، وأثقلهُ العصيان، كم أغلقت باباً على قبيحٍ ؟ إلى متى تُعرِضُ عن النَّصِيحِ؟ أنسيتَ ساعةَ الاحتضارِ؟! حين يثقلُ منك اللسانُ، وترتخي اليدانُ، وتشخصُ العينانُ، ويبكي عليك الأهلُ والولدانُ، أنسيتَ حين يشتدُّ الكربُ، ويَظْهَرُ الأنينُ، وَيَعْرَقُ الجبينُ، ( فلا إله إلا اللهُ، إنَّ للموتِ لسكراتٍ ). أين من عاشرناهم كثيراً وألفناهم؟! أين مَْن مِلنَا إليهم وأحببناهم ؟! كم عزيزٍ دفنَّاهُ , وقريبٍ أضجعناه ، فهل رحم الموتُ مَريضاً لضعفِ حالِه ؟! أو ذا عِيالٍ لأجْلِ عياله؟! لا واللهِ أتاهم الْمَوتُ، فأخلى منهم المجالسَ والمساجَد، لا يَمْلِكُونَ لأنفُسِهِم ضَّرَّاً ولا نَفْعَاً، فيا عبدَ الله، دَعِ اللهوَ جَانِبَاً، وقمْ إلى ربِّكَ نادما ، وقِف على بابهِ تائباً، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله : ( إنَّ الله عزَّ وجلَّ يبسطُ يَدَهُ بالليلِ ليتوبَ مسيءُ النَّهارِ، ويَبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهارِ لِيَتُوبَ مُسيءُ الليلِ، حتى تطلعَ الشَّمسُ من مَغربِها) فأحسنْ فيما بَقِيَ, يُغفرْ لك ما قد مَضَى وَتُوبُواْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ اللهمّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آلهِ وأصحابه أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يوم الدين، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبِّت أقدامنا وانصرنا على الكافرين. اللهمّ أعزَّ الإسلام والمسلمين، ودمِّر أعداءَ الدِّين، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين. اللهمّ آمنا في أوطاننا، وأصلِح أئمتنا وولاةَ أمرنا، اللهم وفقهم لما فيه صلاحُ الإسلام والمسلمين رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ . رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ عباد الله، فاذكروا الله العظيمَ الجليل يذكركم، واشكروه على عموم نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون. منقول |
![]() |
![]() |
#17 |
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() |
![]() خطبة الجمعة عنوانها فضائل شهر محرم الحرام الحمد الله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليما كثيرا، أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله تعالى، واشكروه على نعمه الظاهرة والباطنة، فما زال يوالي عليكم مواسم الخير الفضل، ما انتهت أشهر الحج إلى وأعقبها شهر الله المحرم، وهذا الشهر خصه الله بخصائص: أولا: أنه من الأشهر الحُرم التي حرم الله فيها القتال قال تعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) وهذه الأربعة: هي ذو القعدة، وذو الحجة، وشهر محرم، والرابع شهر رجب، حرم الله القتال فيها من أجل تأمين الحجاج والمعتمرين في سفرهم للحج والعمرة، فلما جاء الإسلام - ولله الحمد - انتشر الأمن واندحر الكفار، وقام الجهاد في سبيل الله عز وجل في كل وقت مهما أمكن ذلك. إن هذا الشهر له فضائل قال صلى الله عليه وسلم: أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ فيستحب الإكثار فيه من الصيام. وهو أيضا من الأشهر الحرم. وهو الشهر الذي اختاره الصحابة في عهد عمر رضي الله عنه ليكون أول السنة الهجرية، فهو شهر له فضائل: ومن أعظم فضائله: أن فيه يوم عاشوراء الذي اخبر فيه النبي صلى الله عليه وسلم أن صيامه يكفر السنة الماضية، وقد صامه موسى عليه السلام شكرا لله لما أغرق الله فرعون وقومه فصامه شكرا لله عز وجل، وصامه اليهود من بعده، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجرا وجد اليهود يصومونه فقال: ما هذا الصوم الذي تصومونه؟ قالوا: إنه يوم أعز الله فيه موسى وقومه، وأذل الله فيه فرعون وقومه وقد صامه موسى عليه السلام فنحن نصومه، فقال صلى الله عليه وسلم: نَحْنُ أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ أو أولا بِمُوسَى مِنْكُمْ فصامه صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه فصار صيامه سنة مؤكدة؛ لكنه صلى الله عليه وسلم أراد منا أن نخالف اليهود فأمر بصوم يوم قبله وهو اليوم التاسع، وفي رواية أو صوم يوما بعده ، ولكن صيام يوم التاسع أوكد، فيصام هذا اليوم اقتداءً بأنبياء الله بموسى عليه السلام وبمحمد صلى الله عليه وسلم في صيامه وهو يوم أعز الله فيه المسلمين على يد موسى عليه السلام، فهو نصر للمسلمين إلى أن تقوم الساعة، ونعمة من الله عز وجل يُشكر عليها وذلك بالصيام، فصيامه سنة نبوية مؤكدة، فيصومه المسلم اليوم التاسع ويصوم اليوم العاشر الذي هو يوم عاشوراء، ومضت هذه السنة في هذه الأمة والحمد لله فيتأكد صيامه طلبا للأجر والثواب وشكرا لله عز وجل. فسنة الأنبياء وأتباعهم أنهم يشكرون الله على الانتصارات وذلك بالطاعة والصيام وذكر الله عز وجل وشكره ولا يحدثون في هذه الانتصارات بدعا ومنكرات فإن هذا من سنة الجاهلية، والاحتفالات إنما يحدثون فيها الشكر لله عز وجل والصيام، فإحياء السنة أمر مطلوب من الأمة، في صومه أجر عظيم، يكفر السنة الماضية. فلا ينبغي للمسلم أن يفرط فيه، أما من يتخذ يوم عاشوراء يوم حزن ويوم بكاء وعويل ونياحه كما تفعله الشيعة قبحهم الله حزنا على مقتل الحسين رضي الله عنه فإنه قتل في هذا اليوم في يوم عاشوراء في اليوم العاشر من شهر محرم؛ ولكن المصيبة لا تقابل بالنياحة والمعاصي والمنكرات؛ وإنما تقابل بالطاعة والصبر والاحتساب، مقتل الحسين رضي الله عنه لاشك أنه مصيبة؛ ولكن الله أمرنا عند حدوث المصائب أن نصبر ونحتسب. والمسنون في هذا اليوم هو سنة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أنه يصام ولا يحدث فيه أي عمل آخر، وكذلك على العكس من جهال المسلمين ومن جهال أهل السنة من يعتبر هذا اليوم يوم فرح وبعضهم يسميه العيد عيد العمر يقولون وهو ليس عيدا إنما هو يوم نصر وشكر لله عز وجل ويوسعون على أولادهم ويعطونهم الهدايا يتقابلون الهدايا فيما بينهم هذه بدعة وأمر محدث ولا يجوز، وهذا يكون مقابلا لفعل الشيعة، الشيعة يحزنون وهؤلاء يفرحون، أيفرحون بمقتل الحسين رضي الله عنه يعني يحملهم بغض الشيعة على أن يفرحوا بمقتل الحسين رضي الله عنه لا، هذا لا يجوز. فالواجب على المسلمين اتباع السنة وترك البدعة هذا هو المطلوب، والبدعة لا تقابل بما هو شر منها ببدع أخرى، إنما تقابل بتركها وإحياء السنة. وفق الله الجميع لما يحبه ويرضى، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه توبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية: الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه وأعوانه، وسلم تسليماً كثيرا، أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله تعالى، واعلموا أنها لا يقبل سنة أو نافلة حتى تؤدى الفريضة، فحرصوا على أداء الفرائض أولا، لأن الفرائض أحب إلى الله من النوافل، قال الله جل وعلا في الحديث القدسي: ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فالنوافل مكملة للفرائض، أما أن تقام النوافل وتساهل في الفرائض فهذا أمر معكوس. الواجب على المسلم أن يحافظ على الفرائض أولا وقبل كل شيء ثم يأتي بالنوافل بعدها لتكون مكملة لها وزيادة خير للمسلم. اتقوا الله، عباد الله، واعلموا أنَّ خير الحديث كتاب الله، وخير الهديَّ هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بالجماعة، فإنَّ يد الله على الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار. (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)، اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبيَّنا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمةِ المهديين، أبي بكرَ، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابةِ أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين. اللَّهُمَّ أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مستقرا وسائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين، اللَّهُمَّ أحفظ علينا أمننا وإيماننا واستقرارنا في أوطاننا وأصلح ولاة أمورنا ولا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا وقنا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللَّهُمَّ أرنا الحق حقا ورزقنا إتباعه وأرنا الباطل باطلا ورزقنا اجتنابه، وحبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان وجعلنا من الراشدين، اللَّهُمَّ أصلح ولاة أمورنا، اللَّهُمَّ وفقهم لما فيه خيرهم وخير الإسلام والمسلمين، اللَّهُمَّ أحفظ بهم أمننا وجمع بهم كلمتنا،وألف بهم جماعتنا يا حي يا قيوم يا سميع الدعاء، اللَّهُمَّ أحفظ بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين، اللَّهُمَّ فرج للمسلمين مما هم فيه من كرب وضيق على يد الأعداء والكافرين والمنافقين، اللَّهُمَّ فرج للمسلمين بفرج عاجل، اللَّهُمَّ فرج للمسلمين بالنصر، اللَّهُمَّ فرج للمسلمين من كل شدة ومن كل كرب يا سميع الدعاء يا فراج الكربات يا مجيب الدعوات يا مغيث اللهفات يا حي يا قيوم يا سميع الدعاء يا ذا الجلال والإكرام (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ). عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)، فذكروا الله يذكركم، واشكُروه على نعمه يزِدْكم، ولذِكْرُ الله أكبرَ، والله يعلمُ ما تصنعون. موقع الشيخ صالح بن فوزان الفوزان |
![]() |
![]() |
#18 |
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() |
![]()
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم خطبة الجمعة عن يوم عاشوراء الحمد لله معز من أطاعه، ومذل من عصاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا نعبد إلا إياه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ومصطفاه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن والاه وسلم تسليما كثيرا أما بعد أيها الناس اتقوا الله تعالى، واعتبروا بما قصه في القرآن من قصص الأنبياء والمرسلين عبرة للمعتبرين، وذكرى للذاكرين، قال الله سبحانه وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ)، وقال سبحانه: (وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ)، قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)، وإن مما قصه الله في القرآن قصة كليم الله ورسوله موسى بن عمران عليه الصلاة والسلام، الذي أرسله إلى فرعون وقومه، فرعون الطاغية المتكبر في الأرض الذي ادعى أنه ادعى الربوبية (فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى)، (يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي)، وهكذا غره طغيانه ومُلكه وقُوته حتى تجرأ على الله سبحانه وتعالى فنازعه الربوبية، وهذا من جهله، ومن ضعف عقله، لأنه يعلم أنه مخلوق ضعيف، وأن الربوبية لله رب العالمين، ولكنه غرّه طغيانه وأراد أن يُغرر بقومه: (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ)، فأدعى هذه الدعوة التي لم يدعها أحد غيره إلا النمرود الذي قال (أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ)، وكان يخاف من بني إسرائيل، لأن أهل مصر يتكونون من طائفتين طائفة الأقباط :وهم قوم فرعون الذين فيهم الملك، الطائفة ثانية بني إسرائيل من أولاد يعقوب، إسرائيل بن إسحاق بن إبراهيم عليهم الصلاة والسلام، فهم ذرية الأنبياء، فكان فرعون وقومه يتخوفون من بني إسرائيل أن ينتقموا لأنفسهم في يوم من الأيام، لأنهم يعلمون طغيانهم وجبروتهم وأفعالهم، فخافوا أن ينتقم بنو إسرائيل لأنفسهم من هذا الطغيان، فصاروا يذبحون أبناء بني إسرائيل، يستحيون نسائهم، كل ما ولد مولود ذكر لبني إسرائيل قتلوه ليُضعفوهم، ولأنه بلغ فرعون عن طريق بعض الكهنة أنه سيخرج من بني إسرائيل غلامٌ يكون هلاكه على يده، فزاد شره وطغيانه فصاروا يقتلون أبناء بني إسرائيل خوفا من ذلك، ولكن أمر الله نافذ ولا ينجي حذر من قدر، فلما ولد موسى عليه السلام ألهم الله أمه أن تجعله في صندوق من الخشب تُحكمه عليه، وأن تضعه في النهر، ففعلت ذلك فذهب به الماء إلا أن ألقاه في قصر فرعون، (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ) لقطوا هذا التابوت، ولما فتحوه وجدوا فيه هذا الغلام، فأراد فرعون أن يقتله: (امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً)، فتركه من أجل هذه المرأة المباركة، ونشأ في بيت فرعون يأكل من طعامه، ويلبس من لباسه، ويركب على مراكبه، وصار مقدماً فيهم، فالذي كان يحذر منه صار يربيه بأمر الله سبحانه القدري الكوني، صار يربيه، ويغذيه في بيته، وفي يوم من الأيام حصلت مشادة بين قبطي وإسرائيلي وتضارب، مر بهم موسى عليه السلام: (فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ)، يعني: من بني إسرائيل (عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ)، طلب منه النصرة فجاء موسى عليه السلام إلى القبطي (فَوَكَزَهُ)، يعني: ضربه بيده ضربة واحدة (فَقَضَى عَلَيْهِ)، مات على إثر تلك الضربة، فقتل نفساً من القبط، فصاروا يبحثون عن القاتل فعلموا أنه موسى عليه السلام، فصاروا يدبرون لقتله، (وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى)، يعني يشد في المشي، والسير، والركض (قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنْ النَّاصِحِينَ* فَخَرَجَ مِنْهَا)، عليه الصلاة والسلام (خَائِفاً يَتَرَقَّبُ)، خرج منها من مصر وقصد إلى أرض مدين (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ)، خشي أن يضيع في الطريق، فالله هداه الطريق إلى أن وصل إلى أرض مدين (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ)، وكان عطشان (وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنْ النَّاسِ يَسْقُونَ) يعني: جماعة من الناس يسقون مواشيهم وعندهم امرأتان تذوتان غنماهما، يدفعان غنمهما عن الماء، فسألهما ما شأنكما: (قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ)، لأن الإناث ضعيفات أمام الرجال لا يقويان على مزاحمة الرجال: (فَسَقَى لَهُمَا)، موسى أخذته الرحمة والشفقة (فَسَقَى لَهُمَا)، على ما فيه من التعب عليه الصلاة والسلام سقى لهما، ولما فرغ تولى إلى الظل، وجلس في الظل يستريح، دعاء ربه (فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)، ذهبت الامرأتان إلى أبيهما، وكان شيخ كبيرا فذكرتا له القصة، فأرسل إليه من بناته من تناديه (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا)، فذهب عليه السلام إلى ذلك الشيخ الكبير، وقص عليه القصص، ذكر له أمره ومجيأه (قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)، هذا أول بشرى له، ثم إن إحدى ابنتي الشيخ الكبير عرضت على أبيها أن يستأجره لرعي الغنم وسقايتها بدلا من المرأتين (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ)، قوي على مزاحمة الرجال، أمين لا يخون لا في نظره ولا في تصرفاته (إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ* قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ)، عرض عليه أن يزوجه إحدى ابنتيه في مقابل أن يرعى الغنم ثمان سنين أو عشر سنين (عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَةَ حِجَجٍ)، يعني: سنين (فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّالِحِينَ)، تم بينهما العقد، وتزوج موسى عليه السلام من إحدى الابنتين، ورع الغنم عشر سنين، ثم ذهب بأهله بزوجته متوجهًا إلى مصر، عائدًا إلى مصر ومعه زوجته، وفي الطريق اختاره الله جل وعلا لرسالته، وحمله رسالته إلى فرعون، فتخوف موسى من بطش فرعون، وطلب من ربه أن يجعل له من يؤازره من أهله، ورشح أخاه هارون عليه السلام فاستجاب الله دعوته، وجعل معه أخاه نبياً ورسولاً ليؤازره في الدعوة، (قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى* قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى* فَأْتِيَاهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكَ)، يعني: معجزة دلالة على صدقنا (قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى* قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا)، الله معهما معية عون وتوفيق وعلم منه سبحانه (أَسْمَعُ وَأَرَى)، اسمع ما يقول فرعون، وأرى ما يفعله، فلا يتمكن من إيذائكما، فلما بلغاه الرسالة غضب غضباً شديداً، (قَالَ لَئِنْ اتَّخَذْتَ إِلَهَاً غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنْ الْمَسْجُونِينَ)، ثم إن موسى أظهر العلامة الدالة على صدقه وعلى رسالته، (فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ)، انقلبت العصا إلى حية عظيمة، وأدخل يده في جيبه ثم أخرجها بيضاء مثل الشمس من غير سوء من غير برص آية أخرى، جاءه بآيتين العصا، واليد، ماذا قال فرعون عند ذلك قال هذا سحر ما جئتم به السحر قال هذا سحر، وإن عندنا من السحرة من يقاوم سحركما، ثم تواعدوا في يوم يحضر فيه فرعون جميع السحرة من البلدان، مهرة السحر جمعهم (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ)، فجمع السحرة في هذا اليوم وجاء موسى عليه السلام، لهذا المشهد العظيم فطلبوا أن يلقيا ما معه أو يلقون ما معهم، (قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ* فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ* فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ)، التهمت كل ما ألقوه من الحبال والعصي التهمته وخاف منها الحاضرون أن تلتهمهم، فتقدم موسى عليه السلام فأخذها فصارت عصا، ولما رأى السحرة هذه المعجزة علموا أنها ليست من السحر لحكم فنهم وعلمهم بالسحر، علموا أن هذا ليس سحراً، وإنما هو من الله سبحانه وتعالى معجزة لرسوله، فآمن به موسى وهارون، فما كان من فرعون إلا أن قتلهما شر قتله شهداء لله، كانوا في أول النهار يقولون (بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ)، وفي أخر النهار شهداء، قدموا على الله سبحانه وتعالى، هذه هي الجولة الأولى مع فرعون اندحر وبطل سحره وافتضح أمام الملأ، والسحرة الذين اختارهم آمنوا بموسى، وأقاموا عليه الحجة، ثم إن الله أوحى إلى موسى عليه السلام أن يسري ببني إسرائيل في الليل، وأن يخرجوا من مصر، فموسى عليه السلام خرج ببني إسرائيل هاربًا بهم من فرعون، فلما علم فرعون أرغى وأزبد، وجمع الجنود والحشود، فخرج في أثرهم ليستأصلهم بزعمه، ولما كان مع طلوع الشمس أو مع طلوع الفجر، إذا موسى وقومه على حافة البحر، وإذا فرعون وقومه قد أحاطوا بهم، وجاؤوهم من خلفهم (قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ)، البحر أمامنا والعدو خلفنا، قال موسى عليه السلام: (قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ)، فأوحى الله إليه (أَنْ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ) فضرب بعصاه البحر فأنفلق، وصار أسواطاً جامدة يبساً شوارع على قدر قبائل بني إسرائيل اثنى عشر طريق، أمر الله موسى وقومه أن يسلكوا هذه الشوارع وهذه الطرق البحرية اليابسة فسلكوها بأمان الله، ولما تكامل خروجهم من الجانب الثاني دخل فرعون وجنوده ليدركوهم ويلحقوا بهم، فلما تكاملوا في البحر اطبقه الله عليهم، وعاد البحر بحراً يلطتم فأغرق الله فرعون وقومه، ونجا موسى وقومه في هذا اليوم، وكان ذلك في اليوم العاشر من شهر الله محرم فصامه موسى عليه السلام شكرا لله سبحانه وتعالى، فصار بنوا إسرائيل يصومونه عملاً بسنة موسى عليه السلام، ولما بعث الله محمد صلى الله عليه وسلم صام هذا اليوم، وأمر بصيامه شكراً لله عز وجل لأن انتصار موسى انتصار للحق، وانتصار للتوحيد، وانتصار للإسلام، فهذا نعمة من الله سبحانه وتعالى على الجميع، فصامه محمد صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه وقال: لأن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع والعاشر ، مخالفة لليهود، فصار صوم يوم عاشوراء وصوم يومً قبله سنة في هذه الأمة، والحمد لله رب العالمين على نصرة الحق، ودحر الباطل في كل زمان ومكان (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمْ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ)، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا وإياكم بما فيه من البيان والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم. الخطبة الثانية الحمد لله على فضله وإحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيرًا أما بعد اتقوا الله تعالى وأطيعوه واعملوا بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم واتبعوه، وإن من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم صيام اليوم العاشر من شهر الله المحرم، وصيام يوماً قبله مخالفةً لليهود، فهو سنة مؤكدة، وهكذا الأنبياء واتباعهم يقابلون النعم بالشكر، ولا يقابلونها بالأشر والبطر والإعجاب، وإنما يقابلون النعم، ومنها النصر على الأعداء يقابلونها للشكر لله، والتواضع لله عز وجل، ولا يقابلونها بالمرح والفرح المحرم ويفعلون فيها ما يفعلون من المعاصي كما يفعله الجهال في المناسبات التي يزعمون أنها مناسبات قومية، فهذا من جهلهم وغرورهم، فالنعم تقابل بالشكر، ولا تقابل بالكفر، فهذا ما شرعه الله لنا، وكذلك لا يتخذ يوم عاشوراء يوما للفرح، والتوسعة على العيال كما يقولون، أو يسمى عيدًا ليس هو عيد ليس للمسلمين إلا عيدان، عيد الفطر، وعيد الأضحى، فلا يتخذون هذا اليوم يوم فرح وسرور وإلى أخره هذا من البدع ومن الجهل، كما أن هذا اليوم لا يتخذ يوم حزن، وبكى، وعويل، وضرب للخدود، وخمش للوجه، وضرب للأبدان بالسلاسل، كما تفعله الشيعة، حزناً على مقتل الحسين رضي الله عنه، الحسين بن علي قتل في هذا اليوم مظلوماً رضي الله عنه، وقتله مصيبة على المسلمين تقابل بالصبر والاحتساب، ولا تقابل بالجزع، والسخط، والنياحة، وما يفعله الشيعة، وهذا من جملة ضلالاتهم، وخرافاتهم كفى الله المسلمين شرهم. فاتقوا الله عباد الله واعلموا أن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة وعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ومن شذَّ شذَّ في النار، (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56] . اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك نبينا محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين، الأئمة المهديين، أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن الصحابة أجمعين، وعن التابِعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً، وسائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين، اللهم احفظ علينا ديننا، واحفظ علينا أمننا، واستقرارنا في ديارنا، وأصلح ولاة أمورنا وجعلهم هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين، اللهم ولِ على المسلمين خيارهم في كل مكان يا رب العالمين وجنبهم الفتن ما ظهر منها وما بطن، واكفهم شر الأعداء والحاسدين من الكفار والمشركين والمنافقين، اللهم من أراد هذا الإسلام وهذا الدين وأراد المسلمين بسوء فأشغله في نفسه وأردد كيده في نحره وجعل تدميره في تدبيره إنك على كل شيء قدير ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم. عبادَ الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ* وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) [النحل:90]، فاذكروا اللهَ يذكُرْكم، واشكُروه على نعمِه يزِدْكم، ولذِكْرُ اللهِ أكبرُ، واللهُ يعلمُ ما تصنعون . المصدر موقع الشيخ صالح بن فوزان الفوزان |
![]() |
![]() |
#20 |
![]() ![]() ![]() ![]() ![]() ![]() |
![]() بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم عنوان الخطبة عَلَى أَعتَابِ عَامٍ دراسيّ جديدٍ الخطبة الاولى الْحَمْدُ للهِ الحَكِيمِ العَلِيمِ، القَائِلِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ: ((وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُستَقِيمٍ))(1)، وَأَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ بَارِئُ النَّسَمِ، وَخَالِقُ اللَّوحِ وَالقَلَمِ، أَحْمَدُهُ تَعَالَى وَأَشْكُرُهُ عَلَى مَا أَسْدَى وَأَنْعَمَ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ الهَادِي إِلَى السَّبِيلِ الأَقْوَمِ، -صلى الله عليه وسلم- وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَأَتْبَاعِهِ ذَوِي الأَخْلاَقِ وَالقِيَمِ. أَمَّا بَعْدُ، فَاتَّقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ-، فَإِنَّ تَقْوَى اللهِ هِيَ الزَّادُ وَالعُدَّةُ، وَمِعْرَاجُ السُّمُوِّ وَمَبْعَثُ القُوَّةِ، وَالمُعِينُ عَلَى العِلْمِ وَالعَمَلِ، وَالسَّلاَمَةُ مِنَ الفِتَنِ وَالعِِصْمَةُ مِنَ المِحَنِ، ((يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ))(2)، واعلَمُوا أَنَّ طَلَبَ العِلْمِ خَيْرُ مَا أُنْفِقَتْ فِيهِ السَّاعَاتُ، وَعُمِرَتْ بِهِ الأَوقَاتُ، وَلَقَدْ جَاءَتْ نُصُوصُ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مُنَوِّهَةً بِفَضْلِ العِلْمِ وَأَهْلِهِ، واَلحَثِّ عَلَى تَعلُّمِهِ وَكَسْبِهِ، فَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: ((مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ لَهُ طَرِيقًا إِلَى الجَنَّةِ، وَإِنَّ المَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَها رِضًا لِطَالِبِ العِلْمِ، وَإِنَّ العُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهمًا، وَإِنَّما وَرَّثوا العِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ))، وَلَعَلَّ حَدِيثَ المُنَاسَبَةِ يَحْلُو وَنَحْنُ نُعَايِشُ مَعَ أَبْنَائِنَا الطُّلاَبِ وَفَتَيَاتِنَا الطَّالِبَاتِ إِشْرَاقَةَ عَامٍ دِرَاسِيٍّ جَدِيدٍ، وَإِطْلالَةَ مَوْسِمٍ مُتَألِّقٍ فِي العِلْمِ وَالمَعْرِفَةِ وَالتَّحْصِيلِ، تَرتَسِمُ عَلَى مُحَيَّاهُ بَسَمَاتُ الأَمَلِ، وَإِشْرَاقَاتُ الفَأْلِ، في هِمَمٍ وَثَّابَةٍ، وَحُلَلٍ مِنَ الجَلاَلِ وَالجَمَالِ وَالمَهَابَةِ؛ لِتَحْقِيقِ مُستَقْبَلٍ أَفْضَلَ بِإِذْنِ اللهِ، لِدَفْعِ عَجَلَةِ تَقدُّمِ المُجتَمَعِ وَنَهْضَةِ الأُمَّةِ، لَقَدْ شَرَّفَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الأُمَّةَ حَيْثُ جَعَلَها أُمَّةَ العِلْمِ وَالعَمَلِ مَعًا، إِذْ بِالعِلْمِ تُبْنَى الأَمْجَادُ، وَتُشَيَّدُ الحَضَارَاتُ، بَلْ لاَ يَستَطِيعُ المُسْلِمُ بِنَاءَ نَفْسِهِ وَتَحقِيقَ العُبُودِيَّةِ لِرَبِّهِ، وَتَقْدِيمَ الخَيْرِ لأُسْرَتِهِ، وَمُجتَمَعِهِ وَأُمَّتِهِ، إِلاَّ بِالعِلْمِ، وَمَا فَشَا الجَهْلُ فِي أُمَّةٍ مِنَ الأُمَمِ إِلاَّ قَوَّضَ أَركَانَهَا، وَصَدَّعَ بُنْيَانَهَا، لِذَا جَاءَ النِّدَاءُ الأَوَّلُ الذِي أَطْلَقَهُ الإِسْلاَمُ فِي أَنْحَاءِ المَعْمُورَةِ لِيُنَوِّهَ بِقِيمَةِ العِلْمِ وَيَسْمُوَ بِقَدْرِهِ، وَيَجَعَلَهُ أَوَّلَ لَبِنَةٍ فِي بِنَاءِ الأَفْرَادِ وَالشُّعُوبِ، وَكِيَانِ الأُمَمِ وَالمُجتَمَعَاتِ، قَالَ تَعَالَى فِي أَوَّلِ مَا أُنْزِلَ مِنَ القُرآنِ: ((?قْرَأْ بِ?سْمِ رَبِّكَ ?لَّذِى خَلَقَ ))(3)، لَقَدْ رَفَعَ اللهُ تَعَالَى شَأْنَ العِلْمِ وَأَهْلِهِ، وَبَيَّنَ مَكَانَتَهُمْ، وَرَفَعَ مَنْزِلَتَهُمْ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ((يَرْفَعِ ?للَّهُ ?لَّذِينَ ءامَنُواْ مِنكُمْ وَ?لَّذِينَ أُوتُواْ ?لْعِلْمَ دَرَجَ?تٍ وَ?للَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ))(4)، وَلَمْ يَأْمُرِ اللهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ -صلى الله عليه وسلم- بِالاستِزَادَةِ مِنْ شَيءٍ إِلاَّ مِنَ العِلْمِ، فَقَالَ لَهُ: ((وَقُل رَّبِّ زِدْنِى عِلْمًا))(5)، وَمَا ذَاكَ إِلاَّ لِمَا لِلْعِلْمِ مِنْ أَثَرٍ فِي حَيَاةِ البَشَرِ، وَقَدْ بَيَّنَتِ الآيَاتُ الكَرِيمَةُ أَنَّ الغَايَةَ مِنَ العِلْمِ وَطَلَبِهِ هِيَ الإِيمَانُ بِالخَالِقِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَالتَّحلِّي بِالأَخْلاَقِ الفَاضِلَةِ، وَالوُصُولُ إِلَى الحَيَاةِ الهَنِيئَةِ الكَرِيمَةِ، وَالسَّيْرُ سِيرَةً حَسَنَةً قَوِيمَةً، وَبِهَذَا تَتَّضِحُ غَايَةُ العَمَلِيَّةِ التَّرْبَوِيَّةِ وَالتَّعْلِيمِيَّةِ التِي أَرَادَهَا الإِسْلاَمُ، فَالآيَاتُ القُرْآنِيَّةُ وَالأَحَادِيثُ النَّبَوِيَّةُ الشَّرِيفَةُ تَرْبِطُ طَلَبَ العِلْمِ بِغَايَاتِهِ النَّبِيلَةِ، وَأَهْدَافِهِ السَّامِيَةِ الجَلِيلَةِ، وَقَدْ أَدْرَكَ الكَثِيرُ مِنَ أَسْلاَفِنَا غَايَاتِ العِلْمِ وَمَقَاصِدَهُ، فَعَمِلُوا عَلَى تَحقِيقِها وَتَطْبِيقِهَا فِي حَيَاتِهِمْ، فَنَشَأَ أَبْنَاؤُهُمْ عَلَى الإِيمَانِ الثَّابِتِ وَالعِلْمِ النَّافِعِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ وَالقِيَمِ الفَاضِلَةِ، لَقَد طَبَّقُوا التَّوْجِيهَ التَّربَوِيَّ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَبْنَائِهِمْ، وَمِنْ ذَلِكَ مَا حَكَاهُ القُرآنُ الكَرِيمُ عَنْ لُقْمَانَ الحَكِيمِ، وَهُوَ يَعِظُ وَلَدَهُ، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: ((وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ، وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ، وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ، يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ، وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ))(6)، إِنَّهُ تَأْسِيسٌ لِمِنْهَاجٍ تَرْبَوِيٍّ شَامِلٍ، وَأُسْلُوبِ تَعْلِيمٍ قَوِيمٍ وَكَامِلٍ. أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : إِنَّ حَجَرَ الزَّاوِيَةِ وقُطْبَ الرَّحَى فِي العَمَلِيَّةِ التَّعْلِيمِيَّةِ وَالتَّربَوِيَّةِ فِئَةٌ لَهَا مَكَانَتُها وَمَنْزِلتُهَا فِي الدِّينِ وَالمُجتَمَعِ وَالأُمَّةِ، فِئَةٌ جَدِيرَةٌ بِالاحتِرَامِ وَالتَّكْرِيمِ وَالتَّقْدِيرِ، وَمَعَ عِظَمِ التَّشْرِيفِ يَعْظُمُ التَّكْلِيفُ، فَاللهَ اللهَ فِي الاضْطِلاعِ بحَمْلِ الرِّسَالَةِ وَأَدَاءِ الأَمَانَةِ عَلَى خَيْرِ وَجْهٍ، لَقْدِ ائتَمَنَتْكُمُ الأُمَّةُ عَلَى أَعَزِّ مَا تَمْلِكُ، عَلَى عُقُولِ فِلْذَاتِ أَكْبَادِهَا، وَأَبكَارِ ثَمَرَاتِ فُؤَادِهَا، فَكُونُوا مُعَلِّمِينَ مَهَرَةً، وَأَسَاتِذَةً بَرَرَةً، وَكُونُوا قُدْوَةً فِي الجَوَانِبِ الخُلُقِيَّةِ وَالسُّلُوكِيَّةِ، فَيَا أَيُّها المُعَلِّمُ المُبَارَكُ: اجْعَلْ طَوْعَ بَنَانِكَ وخَفْقَ جَنَانِكَ الإِخْلاَصَ للهِ فِي هَذِهِ المُهِمَّةِ العَظِيمَةِ، وَلاَ يَعْزُبْ عَنْ بالِكَ - يَا رَعَاكَ اللهُ - وَأَنْتَ فِي مَيْدَانِ التَّعْلِيمِ وَالتَّربِيَةِ أَنَّ التَّعْلِيمَ قُرْبَةٌ وَعِبَادَةٌ يُزدَلَفُ بِهَا إِلَى اللهِ، فَاستَمْسِكْ - أخِي المُعَلِّمَ - بِهَذَا الأَصْلِ الأَصِيلِ، فَبِقَدَرِ تَحَقُّقِهِ لَدَيْكَ تَجْنِي الثِّمَارَ بِيَدَيْكَ، إِنَّ مَنْ حَمَلُوا أَمَانَةَ التَّربِيَةِ وَالتَّعلِيمِ أَولَى مَنْ يَتَحلَّى بِالإِخْلاَصِ فِي أَدَاءِ هَذِهِ الرِّسَالَةِ العَظِيمَةِ، إِلَى جَانِبِ القُدْوَةِ وَالتِزَامِ أَخْلاَقِ هَذِهِ المُهِمَّةِ الجَسِيمَةِ، وَذَلِكَ بِحُسْنِ السَّمْتِِ وَالهَدْيِ الطَّاهِرِ، وَجَمَالِيَّاتِ البَاطِنِ وَالظَّاهِرِ، وَالعَضِّ بِالنَّوَاجِذِ عَلَى الأَخْلاَقِ وَالفَضَائِلِ، ومُرَاعَاةِ كَرِيمِ السَّجَايَا وَالشَّمَائِلِ، هَكَذَا يَكُونُ المُعَلِّمُ النَّاجِحُ؛ المُوَفَّقُ لإِيجَادِ جِيلٍ نَاجِحٍ وَنَشْءٍ صَالِحٍ، فَبُورِكَتْ جُهُودُ المُعَلِّمِينَ الكُفَاةِ، وَسُدِّدَتْ أَقْوَالُهُمْ وَأَفْعَالُهُمْ، وَلاَ حَرَمَهُمُ اللهُ ثَوَابَ بَذْلِهِمْ وَعَطَائِهِمْ، فَكَمْ نَفَعَ اللهُ بِهِمُ البِلادَ وَالعِبَادَ، وَكَمْ تَعَلَّمَتِ الأَجْيَالُ مِنْهُمْ كَيْفَ يَكُونُ البَذْلُ وَالعَطَاءُ، فِي مَنْهَجٍ مُتَمَيِّزٍ وَفِكْرٍ نَيِّرٍ وَإِبْدَاعٍ مُتَألِّقٍ، سَيَكُونُ بإِذْنِ اللهِ رَصِيدًا لَهُمْ فِي دُنْيَاهُمْ، وَذُخْرًا لَهُمْ فِي أُخْرَاهُمْ. أَيُّهَا المُسْلِمُونَ : إِنَّ العَاقِلَ يَسْعَى جَهْدَهُ مِنْ أَجْلِ أَنْ يَنْجَحَ ابْنُهُ، وَيَفْرَحَ بِهِ مُتَعَلِّمًا مُجتَهِدًا مُجِدًّا مَرْمُوقًا، وَيَنَالُهُ الكَمَدُ وَالحُزْنُ إِنْ لَمْ يُسْعِفْهُ القَدَرُ، وَلَفَظَتْهُ مَقَاعِدُ الدَّرْسِ، هَذَا أَمْرٌ طَبِيعِيٌّ وَتَصَرُّفٌ رَاشِدٌ، وَحتَّى نَظْفَرَ بِالأُولَى وَنَسْلَمَ مِنَ الأُخْرَى - بإِذْنِ اللهِ - وَجَبَ أَنْ نُعِدَّ لِلنِّهَايَةِ السَّعِيدَةِ أَسْبَابَها، فَالبُيُوتُ لاَ تُؤْتَى سِوَى مِنْ أَبْوَابِهَا، وَالحَاجَاتُ لاَ تُطْلَبُ إلاَّ مِنْ أَرْبَابِهَا، أَلاَ وَإنَّ مِنْ أَسْبَابِ النَّجَاحِ، وَمِنْ عَوَامِلِ الرُّقِيِّ وَالصَّلاَحِ، تَعْوِيدَ الطَّالِبِ احتِرَامَ مُعَلِّمِهِ وَالقِيَامَ بِحَقِّهِ، إِنَّ التَّوَاضُعَ لِلْمُعَلِّمِ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الفَلاَحِ، وَسَبَبٌ مِنْ أَسْبَابِ التَّحْصِيلِ، هََكَذا هُوَ سَمْتُ المُتَعَلِّمِ، يَعْلَمُ أَنَّ تَواضُعَهُ لِمُعَلِّمِهِ عِزٌّ لَهُ، وَأَنَّ خُضُوعَهُ لأُستَاذِهِ فَخْرٌ لَهُ. فَاتَّقُوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، واحْرِصُوا عَلَى تَعَلُّمِ العِلْمِ النَّافِعِ، وَتَعَلَّمُوا لِذَلِكَ السَّكِينَةَ وَالوَقَارَ، هَذِّبُوا بِهِ أَخْلاَقَكُمْ، وَقَوِّمُوا بِهِ أَفْعَالَكُمْ وَأَقْوَالَكُمْ. أقُولُ قَوْلي هَذَا وَأسْتغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لي وَلَكُمْ، فَاسْتغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَادْعُوهُ يَسْتجِبْ لَكُمْ إِنهُ هُوَ البَرُّ الكَرِيْمُ. الخطبة الثانية الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ. أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ : إِنَّ المَسِيرَةَ التَّعلِيمِيَّةَ تَحتَاجُ إِلَى تَضَافُرِ كُلِّ الجُهُودِ المُخْلِصَةِ لإِنْجَاحِهَا وَتَقدُّمِهَا وَاستِمْرَارِهَا، فَلاَ تَقَعُ المَسؤُولِيَّةُ عَلَى عَاتِقِ الهَيْئَاتِ التَّدْرِيسِيَّةِ وَحْدَهَا، بَلْ يُشَارِكُهَا فِي المَسؤُولِيَّةِ البَيْتُ وَالمُجتَمَعُ وَكُلُّ مَنْ لَهُ عَلاَقَةٌ بِعَمَلِيَّةِ التَّربِيَةِ وَالتَّعْلِيمِ؛ وَإِذَا كَانَتِ المُجتَمَعَاتُ المُتَقَدِّمَةُ لاَ تَقُومُ إِلاَّ عَلَى أُسُسِ العِلْمِ وَالاستِفَادَةِ مِنْ طَاقَاتِ العُلَمَاءِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لاَ يَتَحقَّقُ إِلاَّ بِتَضَافُرِ جُهُودِ هَيْئَاتِ التَّدْرِيسِ وَجُهُودِ الأُمَّهَاتِ وَالآبَاءِ، فَلاَ بُدَّ مِنْ أَدَاءِ الأُسْرَةِ لِدَوْرِهَا، وَقِياَم ِشرَيِحَةِ الآبَاءِ وَالأُمَّهَاتِ بِعَظِيمِ وَاجِبِهَا، وَذَلِكَ مِنَ التَّعَاوُنِ الحَمِيدِ، الذِي أََمَرَ اللهُ بِهِ فِي كِتَابِهِ المَجِيدِ، قَالَ تَعَالَى: ((وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ))(7)، وَالابْنُ وَدِيعَةٌ أَوْدَعَهَا اللهُ الأَبَوَيْنِ؛ يَقُومَانِ بِمَا يَحْفَظُ عَلَيْهِ سَلاَمَتَهُ وَتَنْشِئَتَهُ تَنْشِئَةً صَحِيحَةً سَلِيمَةً، هَذَا وَإِنَّ مِنَ العِيِّ وَالإِخْفَاقِ بِمَكَانٍ، أَنْ يُتْقِنَ الأَبُ لُغَةَ الشَّكْوَى وَالعِتَابِ بِاللِّسَانِ، فَتَجِدَهُ يَتَفَنَّنُ فِي إِلْصَاقِ التَّقْصِيرِ بِالمَدَارِسِ وَالمُعَلِّمِينَ، وَهُوَ لاَ يُقدِّمُ لابْنِهِ سَاعَةً مِنْ يَوْمِهِ، يُكْسِبُهُ فِيهَا مَا يَمْنَحُهُ الشَّرَفَ فِي مُجتَمَعِهِ وَقَوْمِهِ، حتَّى إِذَا رَأَى ثِمَارَ الآبَاءِ المُجِيدِينَ، وَنَتَائِجَ الأُسْرَةِ الجَادَّةِ فِي البَنَاتِ وَالبَنِينَ، أَخَذَ يَشْكُو حَظَّهُ العَاثِرَ، وَيَبْكِي عَلَى سَعْيِهِ الخَاسِرِ، جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - يَشْكُو إِلَيْهِ عُقُوقَ ابْنِهِ، فَأَحْضَرَ عُمَرُ الوَلَدَ وَأنَّبَهُ عَلَى عُقُوقِهِ لأَبِيهِ، فَقَالَ الوَلَدُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنينَ، أَلَيْسَ لِلْوَلَدِ حُقُوقٌ عَلَى أَبِيهِ؟ قَالَ عُمَرُ: بَلَى، قَالَ: فَمَا هِيَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ؟ فَذَكَرَ لَهُ سَيِّدُنَا عُمَرُ بَعْضَ الحُقُوقِ، فَقَالَ الوَلَدُ: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ: إِنَّ أَبِي لَمْ يَفْعَلْ شَيِئًا مِنْ ذَلِكَ، فَالتَفَتَ عُمَرُ إِلَى الرَّجُلِ، وَقالَ لَهُ: جِئْتَ إِليَّ تَشْكُو عُقُوقَ ابْنِكَ، وَقَدْ عَقَقْتَهُ قَبْلَ أَنْ يَعُقَّكَ، وَأَسَأْتَ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُسِيءَ إِلَيْكَ، فَيَا أَيُّهَا الأَبُ الغَيُورُ عَلَى أَوْلاَدِكَ، وَيَا أَيَّتُها الأُمُّ الحَرِيصَةُ عَلَى مَصْلَحَةِ فِلْذَاتِ كَبِدِكِ، أَكْسِبَا أَوَلاَدَكُمَا العِلْمَ وَالأَخْلاَقَ، وَلْتَتَضَافَرْ جُهُودُكُمَا فِي ذَلِكَ مَعَ جُهُودِ المُؤَسَّسَاتِ التَّرْبَوِيَّةِ. فَاتَّقُوا اللهَ -عِبادَ اللهِ-، وَقُومُوا بِمَا أَوْجَبَ اللهُ عَلَيْكُمْ فِي أَوْلاَدِكُمْ، اعطِفُوا عَلَيْهِمْ بِمَا يَحتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنَ الرِّفْقِ وَالحَنَانِ، وَرَبُّوهُمْ عَلَى مَكَارِمِ الأَخْلاَقِ وَالإِحْسَانِ، تَعِيشُوا وَإِيَّاهُمْ عِيشَةً مُفْعَمَةً بِالسَّعَادَةِ وَالأَمَانِ، وَيَجْمَعْكُمُ اللهُ بِهِمْ فِي الجِنَانِ. هَذَا وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً عَلِيْمًا: (( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا ))(8). اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيْمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيْمَ، فِي العَالَمِيْنَ إِنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ. اللَّهُمَّ اجْعَلْ جَمْعَنَا هَذَا جَمْعًا مَرْحُوْمًا، وَاجْعَلْ تَفَرُّقَنَا مِنْ بَعْدِهِ تَفَرُّقًا مَعْصُوْمًا، وَلا تَدَعْ فِيْنَا وَلا مَعَنَا شَقِيًّا وَلا مَحْرُوْمًا. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالعَفَافَ وَالغِنَى. اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَ كُلاًّ مِنَّا لِسَانًا صَادِقًا ذَاكِرًا، وَقَلْبًا خَاشِعًا مُنِيْبًا، وَعَمَلاً صَالِحًا زَاكِيًا، وَعِلْمًا نَافِعًا رَافِعًا، وَإِيْمَانًا رَاسِخًا ثَابِتًا، وَيَقِيْنًا صَادِقًا خَالِصًا، وَرِزْقًا حَلاَلاًَ طَيِّبًا وَاسِعًا، يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ. اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلاَمَ وَالْمُسْلِمِيْنَ، وَوَحِّدِ اللَّهُمَّ صُفُوْفَهُمْ، وَأَجْمِعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ، وَاكْسِرْ شَوْكَةَ الظِّالِمِينَ، وَاكْتُبِ السَّلاَمَ وَالأَمْنَ لِعِبادِكَ أَجْمَعِينَ. اللَّهُمَّ رَبَّنَا احْفَظْ أَوْطَانَنَا وَأَعِزَّ سُلْطَانَنَا وَأَيِّدْهُ بِالْحَقِّ وَأَيِّدْ بِهِ الْحَقَّ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ. اللَّهُمَّ رَبَّنَا اسْقِنَا مِنْ فَيْضِكَ الْمِدْرَارِ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الذَّاكِرِيْنَ لَكَ في اللَيْلِ وَالنَّهَارِ، الْمُسْتَغْفِرِيْنَ لَكَ بِالْعَشِيِّ وَالأَسْحَارِ. اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاء وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ خَيْرَاتِ الأَرْضِ، وَبَارِكْ لَنَا في ثِمَارِنَا وَزُرُوْعِنَا وكُلِّ أَرزَاقِنَا يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ. رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ. رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَاءِ. عِبَادَ اللهِ : (( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )). المصدر موقع خطب الجمعة |
![]() |
![]() |
مواقع النشر (المفضلة) |
الكلمات الدلالية (Tags) |
الجمعة , خطة , والمناسبات |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1) | |
أدوات الموضوع | إبحث في الموضوع |
|
|